Diogo Borges Ferreira
لطالما كانت العمارة تُعتبر وسيلة قوية لتشكيل البيئة المادية والديناميات الاجتماعية المحيطة بها. ومع ذلك، غالبًا ما يتم تجاهل قدرتها على تعزيز العدالة الاجتماعية. يدعو التصميم المدفوع بالتعاطف المعماريين إلى رؤية أعمالهم ليس فقط كمنشئي مساحات، بل كمسهلين للتواصل البشري ورفاهية المجتمع. ويركز هذا النهج على فهم تجارب الناس الحياتية، وصراعاتهم، وطموحاتهم، والاستجابة لاحتياجاتهم من خلال عمارة مدروسة وشاملة. ويتجاوز هذا المفهوم الجوانب الجمالية والوظيفية، ليعزز إنشاء مساحات تعزز الكرامة والوصول والعدالة الاجتماعية. من خلال إعطاء الأولوية للتعاطف، يمكن للمعماريين تصميم بيئات ترفع من شأن المجتمعات، وتعالج الفجوات، وتخلق مساحات شاملة تدعم التغيير الاجتماعي الإيجابي بطريقة ملموسة ومركزّة على الإنسان.
يبدأ التصميم المدفوع بالتعاطف بالاستماع والتعاون. إذ يتفاعل المعماريون مباشرة مع الأشخاص الذين سيعيشون في المساحات التي ينشئونها، مما يضمن أن تعكس حلول التصميم الاحتياجات والطموحات المتنوعة للمجتمع. ومن خلال إشراك السكان، ينتقل المعماريون بعيدًا عن الأساليب من الأعلى إلى الأسفل نحو نموذج تشاركي، حيث يكون التصميم أداة للتمكين.
ومع ذلك، بدلاً من أن تكون عملية تشاركية، فهي عملية تعاونية. وتعترف، من خلال الحوار والتفاعل، بنقاط الضعف والهشاشة في المجتمعات، دون تحميلهم المسؤولية الكاملة عن المشروع، بل من خلال تفعيل وتمكين قدراتهم لتتقدم ضمن الإطار المقترح من المعماريين. ويؤدي هذا التعاون إلى إنشاء مساحات تلبي المتطلبات العملية، وتعزز الشعور بالملكية والهوية، مما يعزز ارتباطًا أعمق بين الأفراد وبيئتهم.
دور التعاطف في العمارة
في سياق العمارة، يعتبر التعاطف قوة دافعة نحو التغيير الاجتماعي. فهو يحث المعماريين على النظر في الآثار المجتمعية لتصاميمهم، مما يشجع على خلق مساحات أكثر شمولية وتكيفًا مع احتياجات الجميع. وسواء كان ذلك في مجال الإسكان الميسور التكلفة، أم البنية التحتية العامة، أم تصميم المساحات المجتمعية، فإن التصميم المستند إلى التعاطف يعزز من دور العمارة في تحقيق العدالة الاجتماعية. ومن خلال دمج التعاطف في عملية التصميم، يمكن للمعماريين أن يساهموا في بناء بيئات أكثر عدلاً وإنسانية تلبي احتياجات المجتمع بأسره.
يعتمد التصميم المدفوع بالتعاطف على التعاون، حيث يتفاعل مع المجتمع لفهم تجاربهم الفريدة وتحدياتهم. ويتطلب هذا النهج الابتعاد عن عمليات التصميم من الأعلى إلى الأسفل، والتحرك نحو التعاون مع المجتمع. ويصبح المعماري ليس فقط منشئًا للمساحة، بل مستمع نشط ومشارك، يتفاعل مع الناس لتصميم مساحات تلبي احتياجاتهم المحددة، ويغمر نفسه في سياق الأشخاص الذين يصمم لهم، لضمان أن تعكس المساحات الناتجة قيم المجتمع واحتياجاته وهويته. ويضمن هذا النهج التشاركي أن تعكس العمارة الناتجة تجارب وطموحات وهويات المجتمع الذي تخدمه، مما يعزز شعور الملكية والانتماء.
نجحت العديد من المشاريع المعمارية في تطبيق مبادئ التصميم المدفوع بالتعاطف، مما يؤكد تأثير هذا النهج التحولي على تحقيق العدالة الاجتماعية. وأحد أبرز الأمثلة على ذلك هو مشروع مستشفى بوتارو في رواندا، والذي نفذته مجموعة MASS Design. لم يقتصر تصميم المستشفى على تلبية الاحتياجات الصحية للمجتمع فحسب، بل تجاوز ذلك ليعكس كرامة وطموحات السكان المحليين. من خلال التفاعل المستمر مع المجتمع المحلي والعاملين الصحيين والمرضى، تمكنت المجموعة من تصميم مستشفى يتناسب مع احتياجاتهم وتطلعاتهم، حيث تميز بتصميمه المستدام الذي يعتمد على التهوية الطبيعية واستخدام المواد المحلية، مما خلق بيئة شفائية هادئة. بالإضافة إلى ذلك، أسهم المشروع في تنمية المجتمع المحلي من خلال توفير فرص عمل لسكان المنطقة، مما أدى إلى توزيع المنافع الاقتصادية للمشروع بشكل عادل. وبفضل هذه الاستراتيجيات المتكاملة، تمكن المعماريون من تقليل البصمة الكربونية للمشروع وضمان استثمار 85% من تكاليف البناء في الاقتصاد المحلي.
تُعتبر مراكز Maggie’s Centres، التي صممها عدد من المعماريين المعروفين مثل فرانك جيري وزها حديد وسنوهيتا وFoster + Partners، مثالاً آخر على التصميم المدفوع بالتعاطف. ويركز تصميم هذه المراكز الخاصة برعاية مرضى السرطان على خلق بيئات داعمة ومرحبّة للمرضى وعائلاتهم. وتفاعل المعماريون مع المهنيين الصحيين والمرضى لفهم كيفية تأثير تصميم هذه المساحات بشكل إيجابي على الرفاهية، مما أسفر عن مراكز تم تصميمها عمدًا لتبدو منزلية وغير مؤسسية، مع إضاءة طبيعية وحدائق وديكورات داخلية حميمة تشبه المنازل. هذه المراكز متاحة للجميع، بغض النظر عن القدرة الجسدية أو الحالة الاقتصادية أو الخلفية الثقافية، مما يضمن أن تعزز العمارة شعور الانتماء وتقوي النسيج الاجتماعي للمجتمع، بينما تكون مرحبة وقابلة للاستخدام وحساسة ثقافيًا. ومن خلال معالجة الاحتياجات العاطفية والنفسية للمرضى، تُظهر مراكز Maggie’s Centres كيف يمكن أن تساهم العمارة في الشفاء وكرامة الإنسان، موضحةً قوة التصميم التعاطفي في المساحات الصحية من خلال الشمولية.
يعد التصميم المدفوع بالتعاطف أيضًا أمرًا حاسمًا في معالجة أزمة الإسكان. وتعكس عملية التصميم التشاركية التي تم تطبيقها في مشروع إسكان كوينتا مونسروي في إيكيك بتشيلي، الذي صممته شركة ELEMENTAL، كيف يمكن أن يؤثر التعاطف على تطوير الإسكان على نطاق واسع. ويعالج المشروع احتياجات الإسكان للعائلات ذات الدخل المنخفض من خلال توفير “نصف منازل” يمكن للسكان إكمالها مع تحسن وضعهم المالي. وتم تصميم هذا النموذج القابل للتكيف، استنادًا إلى مبادئ المرونة والتكيف، بناءً على مشاورات واسعة مع المجتمع، مما سمح للعائلات بتخصيص منازلها بمرور الوقت. وضمنت الطبيعة التشاركية للمشروع أن تكون الحلول السكنية عملية وميسورة التكلفة ومتوافقة مع احتياجات السكان. ومن خلال دمج المرونة في التصميم، تمكن أليخاندرو أرافينا وفريقه، من تمكين السكان من امتلاك منازلهم، مما يحسن العدالة الاجتماعية بطريقة ذات مغزى ومستدامة.
وبالمثل، أعاد مشروع Empower Shack في خايليتشا بجنوب إفريقيا، الذي تقودهUrban Think Tank، تصور الإسكان في المستوطنات غير الرسمية من خلال تبني نهج تصميم تشاركي. ومن خلال إشراك المجتمع بشكل فعال في عملية التصميم والبناء، تمكن المعماريون من تطوير مساكن ميسورة التكلفة وقابلة للتوسع تلبي احتياجات الأسر ذات الدخل المنخفض في هذه المناطق. وصُممت كل وحدة سكنية بحيث يمكن توسيعها بمرور الوقت، مما يتيح للسكان تكييف مساكنهم مع تطور ظروفهم المعيشية. هذه المرونة تعزز تمكين السكان وتمنحهم شعورًا بالملكية والسيطرة على بيئتهم المعيشية، وهذا ما غالبًا يُفتقر إليه في مشاريع الإسكان التقليدية. ولا يقتصر أثر مشروع Empower Shack على توفير مساكن ملائمة، بل يتعداه إلى تعزيز التماسك الاجتماعي وفتح آفاق جديدة للتنمية الاقتصادية. ويوضح هذا المشروع بدقة كيف يمكن للتصميم المدفوع بالتعاطف أن يكوِّن ليس فقط الشكل المادي للمسكن، بل أيضًا النسيج الاجتماعي للمجتمعات، مما يعزز الشعور بالتمكين والاستدامة على المدى الطويل.
التحديات والفرص
رغم الفوائد العديدة التي يقدمها التصميم المدفوع بالتعاطف، فإنه يواجه تحديات كبيرة في التطبيق. فبينما يتمتع هذا النهج بإمكانات هائلة لتعزيز العدالة الاجتماعية وخلق بيئات أكثر شمولية، إلا أنه يفرض على المعماريين تحديات متعددة. من أبرز هذه التحديات تحقيق التوازن بين التعاطف والقيود العملية، مثل: الميزانية والوقت واللوائح التنظيمية. فالمشاريع التي تستهدف المجتمعات المحرومة غالبًا ما تواجه قيودًا مالية، مما يحد من نطاق الحلول الممكنة. وعلى سبيل المثال، قد يواجه المعماريون صعوبة في تخصيص الوقت والموارد الكافية لإشراك المجتمع بشكل عميق في عملية التصميم، بسبب الضغوط الزمنية والقيود المالية. ويتطلب التغلب على هذه التحديات إيجاد حلول مبتكرة تستغل الموارد المتاحة بأقصى كفاءة دون المساس بالقيم الأساسية للتصميم المدفوع بالتعاطف.
يمثل التغلب على التفاوتات الاجتماعية الراسخة تحديًا آخر يواجه نهج التصميم المدفوع بالتعاطف. فبينما يمكن للعمارة أن تساهم في معالجة الحواجز المادية والاجتماعية، إلا أنها وحدها غير قادرة على حل المشكلات النظامية المعقدة مثل: الفقر، وانعدام المساواة في التعليم، والسياسات التمييزية. وغالبًا ما يكتشف المعماريون الذين يعملون في المجتمعات المحرومة أن نجاح مشاريعهم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بوجود أنظمة دعم شاملة، مثل الخدمات الاجتماعية والسياسات العامة الداعمة. وقد يؤدي هذا إلى شعور بالإحباط عندما تواجه التصاميم التي تستند إلى التعاطف قيودًا خارجة عن إطار عمل المعماري. ويسلط مشروع Empower Shack الضوء على هذا التحدي المعقد، حيث يوضح أن التصميم وحده لا يمكن أن يقضي على الفقر المزمن، ولكنه يمكن أن يوفر بيئة معيشية كريمة تشكل نقطة انطلاق لتحسين حياة السكان.
وتُضاف الحساسية الثقافية والسياقية إلى قائمة التحديات التي يواجهها التصميم المدفوع بالتعاطف. إذ يتطلب هذا النهج فهمًا عميقًا للسياقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي يتأثر بها المشروع. ويجب على المعماريين أن يتجنبوا فرض قيمهم أو مفاهيمهم الثقافية على المجتمع، مما قد يؤدي إلى تصاميم، مهما كانت نياتها حسنة، تفشل في تلبية الاحتياجات الفعلية للمستخدمين. ويبرز هذا التحدي بشكل واضح في المشاريع التي تخدم مجتمعات متنوعة ثقافيًا، حيث يتطلب الأمر من المعماريين الحذر الشديد لتجنب تطبيق حلول نمطية لا تناسب الجميع. ويوضح مشروع إسكان كوينتا مونسروي كيف يمكن للتصميم الحساس ثقافيًا، المستند إلى التقاليد المحلية والهياكل الاجتماعية، أن يعزز من شعور المجتمع بالانتماء. ومع ذلك، يتطلب تحقيق هذا المستوى من الفهم الثقافي إجراء بحوث مكثفة وحوارًا مستمرًا مع المجتمع، فضلاً عن المرونة في تعديل التصاميم بناءً على الملاحظات، وهو ما قد يكون تحديًا في ظل ضغوط المشاريع التجارية أو المحدودة زمنيًا.
على الرغم من هذه التحديات التي يواجهها، فإن التصميم المدفوع بالتعاطف يمثل تحولًا جذريًا في ممارسة العمارة، حيث ينتقل من النماذج التقليدية التي تفرض الحلول الجاهزة إلى نهج أكثر تشاركية واستجابة لاحتياجات المجتمعات. ومن خلال إيلاء الأولوية للعدالة الاجتماعية، يمكن للمعماريين أن يخلقوا مساحات تعكس قيم وطموحات المجتمعات التي يخدمونها. هذا النهج ليس مجرد واجب أخلاقي، بل يؤدي أيضًا إلى مشاريع أكثر استدامة ونجاحًا. كما يتضح، يمكن للتصميم المدفوع بالتعاطف أن يحول حياة الأفراد والمجتمعات، من خلال تمكينهم وتوفير بيئات معيشة كريمة. في النهاية، يتجاوز دور التعاطف في العمارة حدود بناء المباني ليصل إلى بناء مجتمعات أكثر قوة وعدالة.
المصدر: rchDaily