أبنية – خاص
يُنظر إلى الكربون ليس فقط كمسبب رئيسي للاحتباس الحراري، بل أيضًا كمورد محتمل في مجالات متعددة، لاسيّما في خضم المساعي العالمية لمواجهة التغير المناخي. وفي قطاع البناء على وجه التحديد، يُعد استخدام الكربون المحتجز خطوة ثورية تهدف إلى تحويل النفايات الغازية إلى موارد مستدامة تُستخدم في تصنيع مواد البناء. هذه الاستراتيجية لا تُقلل فقط من الانبعاثات الكربونية، بل تُسهم أيضًا في تطوير مواد أكثر كفاءة واستدامة.
تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى مواد بناء مفيدة
بدأت العديد من الشركات بتطوير تقنيات قادرة على تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى مواد صلبة تُستخدم في صناعة الخرسانة، مثل كربونات الكالسيوم. يتم هذا عبر مزج الغاز مع مركّبات معدنية معينة لإنتاج مواد صلبة تُضاف إلى الخلطات الخرسانية، ما يخلق بديلًا منخفض الكربون عن المواد التقليدية كثيفة الانبعاثات. إحدى أبرز هذه الشركات هي “CarbonCure Technologies”، التي طورت نظامًا صناعيًا يُحقن فيه CO₂ مباشرةً في خلاطات الخرسانة، مما يُحسّن من قوة المادة ويجعلها أكثر استدامة.
تكمن ميزة هذه العملية في أنها تحتجز الكربون بشكل دائم داخل هيكل الخرسانة، ما يعني أنه لن يُطلق مجددًا في الغلاف الجوي، كما يحدث في التخزين المؤقت. وقد أظهرت الدراسات أن هذه التقنية يمكن أن تُقلل من البصمة الكربونية للخرسانة بنسبة تصل إلى 20% دون التأثير على جودتها. هذا يجعلها خيارًا مغريًا للمطورين العقاريين الباحثين عن حلول تتوافق مع السياسات البيئية الحديثة.
علاوة على ذلك، فإن هذه التقنية تُسهم في خفض الطلب على الأسمنت التقليدي، الذي يُعد من أكثر المواد إضرارًا بالمناخ. فكل طن من الأسمنت ينتج ما يعادل 0.8 طن من ثاني أكسيد الكربون. باستخدام بدائل من الكربون المُعاد تدويره، يمكن تخفيض هذا الأثر البيئي وتعزيز سوق أكثر تنوعًا واستدامة لمواد البناء.
إنتاج مواد بوليمرية من الكربون المحتجز
بالإضافة إلى تطبيقات الخرسانة، بدأت بعض الشركات في تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى بوليمرات صناعية تُستخدم في مواد البناء، مثل العوازل والدهانات والمكونات الداخلية. فعلى سبيل المثال، طورت شركة Covestro الألمانية تقنية لتحويل CO₂ إلى مادة “بوليول”، وهي عنصر أساسي في تصنيع البولي يوريثان المستخدم في العزل الحراري والصوتي. هذه التطبيقات تُحسن كفاءة الطاقة وتُقلل الاعتماد على مواد بترولية ملوثة.
تُظهر هذه التطورات أن الكربون يمكن أن يكون بديلاً للمواد الأولية الكيميائية التقليدية في الصناعات الإنشائية. باستخدام هذه البوليمرات الجديدة، يمكن تقليل التكاليف البيئية المرتبطة بالإنتاج، وزيادة متانة المواد وتقليل كتلتها، مما ينعكس إيجابيًا على كفاءة النقل والاستخدام داخل المباني.
تحسين خصائص مواد البناء التقليدية باستخدام الكربون المحتجز
لا يقتصر دور الكربون المحتجز على إنتاج مواد جديدة، بل يمكن استخدامه في تحسين المواد التقليدية كالإسمنت والخرسانة والطوب. إحدى التطبيقات الفعالة هي حقن ثاني أكسيد الكربون في الخرسانة أثناء المعالجة، وهو ما يُعرف بـ”الكربنة المحكومة”. هذه العملية تُسهم في تسريع التفاعل الكيميائي الذي يُكوّن الكالسيوم كربونات داخل الخرسانة، مما يزيد من صلابتها ويُقلل من التشققات على المدى الطويل.
استخدام هذه التقنية لا يُحسن من خصائص المواد فقط، بل يُقلل أيضًا من كمية الماء اللازمة في عملية الخلط. وقد طُبّقت هذه التقنية في مشاريع سكنية وتجارية في كندا والولايات المتحدة، مثل مشروع “ConcreteZero” في مدينة فانكوفر، الذي أظهر انخفاضًا بنسبة 30% في استهلاك المياه و15% في الانبعاثات الكلية.
ختامًا، هذا النوع من التطبيقات يدعم التحول نحو البنية التحتية المقاومة للمناخ، خاصةً في المدن التي تواجه تقلبات مناخية شديدة. فمواد البناء المعززة بالكربون تُظهر مقاومة أعلى للرطوبة، والتآكل، والحرارة، مما يُطيل من عمر المنشآت ويُقلل الحاجة إلى الصيانة، وبالتالي يُقلل الانبعاثات غير المباشرة على المدى الطويل.